الاتحاد ينعى المرحوم الشاذلي القليبي الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية

 
 فقدت تونس والعالم العربي يوم 13 مايو 2020 الأستاذ الشاذلي القليبي الوزير والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الذي وافته المنية عن سن تناهز  الخامسة والتسعين. وبرحيله، تفقد الساحة التونسية والعربية، واحدا من أبرز رجالاتها الذين تميّزوا بمسيرة ثرية بالعطاء الخصب في مجالات الفكر والثقافة والحضارة والسياسة.
 والمغفور له هو من مواليد سنة 1925 بمدينة تونس، تلقّى تعلّمه الثانوي بالمدرسة الصادقية، ثمّ التحق بباريس ليواصل دراساته في الآداب والفلسفة بجامعة الصربون، حيث أحرز الإجازة في اللغة والآداب العربية سنة 1947، وفاز في مناظرة التبريز عام 1950.
 وباشر رحمه الله التدريس بالمعاهد الثانوية، كما كلّف بإلقاء دروس في معهد الدراسات العليا. وفي عام 1957 تفرّغ للتدريس الجامعي.
 وفي شهر مايو 1958، عيّن مديرا عاما للإذاعة التونسية. وقد اضطلعت في عهده بدور حيوي في تنمية الوعي الوطني والسموّ بالذائقة الفنية من خلال الاهتمام بالموسيقى والمسرح والإنتاج الإبداعي وتشجيع روّادها.
 وقد أهّله نجاحه في هذه المسؤولية بأن أسندت إليه في عام 1961 مهمّة إنشاء وزارة الشؤون الثقافية، وبقي مشرفا عليها حتى عام 1970. وتحمّل أعباءها من جديد في عام 1971. وقد حرص على وضع الخطط الهادفة والبرامج الكفيلة بالتأسيس لثقافة وطنية أصيلة تقطع مع سلبيات الماضي، ومتجذّرة في محيطها العربي الإسلامي، مع الانفتاح على مختلف ثقافات العالم. 
 وشغل من 1974 إلى 1976 منصب وزير مدير ديوان الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وعيّن وزيرا للإعلام من 1978 إلى 1979، تاريخ انتخابه أمينا عاما لجامعة الدول العربية عند انتقالها إلى تونس.
 وقد برز الأستاذ الشاذلي القليبي خلال تولّيه هذا المنصب العربي الرفيع الذي استمرّ إلى 1990 كشخصية مرموقة ذات خبرة واسعة وشديدة الإلمام بكافة القضايا والملفّات العربية، وأظهر من اللباقة الديبلوماسية والحنكة السياسية، ما جعل "بيت العرب" يسهم بشكل لافت في مدّ جسور التواصل والتعاون مع الشرق والغرب، وفي إعادة لمّ الشمل العربي وتوحيد الرؤى حول قضاياهم، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، وجعلها في صدارة الاهتمامات العالمية، مع الحرص على دفع العمل العربي المشترك وتعزيز مقوّماته، وكذلك تأييد عقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط.
 ولم تكن العُهدات التي تحمّل فيها الفقيد أمانة الجامعة إلى غاية عام 1990 باليسيرة، إذ مرّت بظروف صعبة وأوضاع معقّدة، وشهدت العديد من الأحداث الأليمة على المستويات العربية والإقليمية والعالمية، واجهتها الجامعة وأمينها العام بالحكمة والتعقّل وباتخاذ المواقف الرصينة في ّشتّى المنابر العربية والمحافل الدولية.
 وظلّ المرحوم ينظر إلى العالم على أساس أنه وحدة جغرافية يجمع كلّ البشر، بغضّ النظر عمّا يفرّقهم من أسباب موضوعية. وممّا يؤثر عنه أنه توجّه إلى الضمير العالمي بالقول : "إنّ عجلة التاريخ في تسارع. وإنّ ما يصيب الكرة الأرضية من اختلالات قد يجعل الحياة على سطحها في عسر متزايد. فالواجب يدعو كلّ الأمم إلى إلغاء الأنانية الوطنية، وأن يقيموا تنظيمات دولية تنشر التضامن بين الشعوب، وتمكّن من معالجة الآفات المنتشرة، وليتمسّكوا بالأخوّة الإنسانية في كلّ الخطى التي يقومون بها".  
 والأستاذ الشاذلي القليبي عضو بمجمع اللغة العربية في القاهرة منذ فبراير 1970، وله عدّة مؤلّفات في السياسة والأدب والثقافة والحضارة، من بينها "العرب والقضية الفلسطينية"، و"الثقافة رهان حضاري" و "من قضايا الدين والعصر" و"الشرق والغرب : السلم العنيفة و"كشف إشعاعي لحكم بورقيبة" و"أضواء من الذاكرة ". وكان آخر تأليف له بعنوان "تونس وعوامل القلق العربي".
 تغمّد الله الفقيد برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنّاته وألهم أسرته وذويه جميل الصبر والسلوان.